عرفت هذه المنطقة التي تحدها جبال الونشريس من ناحية الجنوب و سلسلة جبال الظهرة من الشمال و تحدها غربا مدينة الشلف و مدينة المدية شرقا، عرفت توافد الكثير من الشعوب عبر تاريخها الطويل و هو تاريخ مفعم بالثورات و الحروب ضد الغزاة الأجانب الذين كانت لهم أطماع في الإستيلاء على خيرات البلاد و إستغلال شعبها الذي عرف بعشقه للحرية و تمجيده للإستقلال و ظلت الأجيال المتعاقبة تتوارث هذه القيم النبيلة في هذه المنطقة المحصورة بين سلسلة جبال الونشريس و جبال الظهرة، و فيما يلي تاريخ عين الدفلى عبر العصور:
1/ المرحلة الفينيقية الرومانية
1/ المرحلة الفينيقية الرومانية
أول الشعوب التي عرفتها هذه المنطقة هم الفينيقيون و هم أمة تجارية لا شأن لها بالحروب، و كانت لهم مراكز تجارية على المدن الساحلية: عنابة، جيجل، الجزائر و شرشال و كانت لهذه المراكز التجارية الساحلية تأثيرا على المناطق الداخلية، و خاصة منطقة مليانة التي كانت تابعة من الناحية الإقتصادية إلى المركز التجاري بشرشال الذي أسسه الفينيقيون.
كما عرفت هذه المنطقة غزو الرومان لها و ذلك بعد إنتصارهم في الحروب الطاحنة ضد الفينيقين، و قد تم إستيلاء الرومان على الوطن الجزائري سنة 42 ق.م و في سنة 430 مسقط سلطانهم على أيدي الوندال و لم تكن مدة حكمهم على طولها كافية لتثبيت قدم حكومة الرومان بالجزائر، فإن سكان منطقة مليانة كغيرهم من الجزائرين ما أنفكوا خلال هذه المدة يعبرون عن كراهيتهم للرومان بالقول و الفعل و قد ظلت جهات في القطر الجزائري محافظة على إستقلالها وسط الحكومة الرومانية و هي مناطق جبال: الأوراس، جرجرة و الونشريس، وكانت هذه الجهات المستقلة هي مصدر الحركة الإستقلالية ضد الرومان، إذ أن جهة الونشريس المستقلة كانت تضم مليانة عين الدفلى، الشلف، العطاف و المدية.
و لم يكن هذا الإستقلال عن الحكومة الرومانية الظالمة المعتدية إلا نتيجة للتمرد و العصيان و الثورات المتتالية من طرف السكان الذين ظلوا على الدوام يعشقون الحرية و يرفضون الإستعباد فأمتهنوا المقاومة و الكفاح حرفة ضد المستبدين فسجلوا صفحات خالدة من البولات و الأمجاد.
و من أشهر المدن التاريخية بالمنطقة مدينة مليانة التي تأسست في العهد الروماني على يد الأمبراطور
" أوكتافيوس " بين عامي 25 و 27 ق.م.
و قد وصفها الإدريسي بقوله: " مدينة مليانة كدرة مستندة على جبل زكار "
2/ المرحلة الممتدة من ظهور الإسلام إلى الفترة العثمانية
· العهد الإسلامي:
لقد برزت الأهمية الحقيقية لمنطقة عين الدفلى في العصر الإسلامي عندما أعاد " بولوغين بن زيري" و هو من أشهر أمراء صنهاجة حيث ساهم في بناء مدينة مليانة و جعلها عاصمة سياسية على جزء كبير من بلاد المغرب الكبير حيث شهدت إزدهارا مرموقا في الزراعة و التجارة مما جعل الشريف الأدريسي في كتابه: " نزهة المشتاق" يقول:« و هي - أي مليانة - مدينة صغيرة حصينة على نهر صغير عليه عمارات متصلة و كروم بها من السفرجل كل بديع و لها سوق و حمام و سوقها يجتمع إليه أهل الناحية، و قد تردد عليها الرحالون فأجمعوا على محاسن الموقع و كثرة المياه و رخاء العيش، فهي من أخصب بلاد إفريقيا و أرخسها أسعارا و حولها تعيش قبائل كثيرة من البربر ».
· العهد العثماني:
كانت منطقة مليانة في العهد التركي تابعة لبايلك الغرب و عاصمته " مازونــــــة " و قد أدرك الأتراك أهمية منطقة ملياتنة الإستراتيجية و ذلك لكونها تشرف على الطريق الواصل بين الجزائر و مدن بايلك الغرب مثل: تلمسان، مستغانم، و وهران فأسكنوا بضواحيها قبائل المخزن، غير أن سكان الناحية و هم ريغة كثيرا ما خرجوا و ثاروا على الحكم الجديد و من أشهر الثورات ثورة بوطريق سنة 1944 م و قتل فيها حاكم الترك بمليانة.
إحتفظت منطقة عين الدفلى بمكانتها طيلة العهد التركي، إذ ينزل بها المسافر عابر البلاد من المشرق إلى المغرب أو العكس طلبا للراحة أو متشوقا للإطلاع أو الإكتشاف، و من أشهر علمائها الولي الصالح سيد أحمد بن يوسف 931هـ - 1526 م
3/ مرحلة الإحتلال الفرنسي 1930-1962:
· المنطقة في عهد الأمير عبد القادر:
" الأمير عبد القادر "
إتخذ الأمير عبد القادر مليانة حصنا له و ذلك سنة 1835 و عين عليها خليفته محي الدين الصغير ما بين سنة 1835 إلى سنة 1837 و بعد وفاته عين مكانه محمد بن علال بن مبارك و ظل خليفة عليها إلى أن إستشهد بالغرب الجزائري في 11/11/1843.
و أنشأ الأمير عبد القادر بمنطقة مليانة منشآت حربية نذكر منها: مصنع الأسلحة منها البنادق، الرماح، و كانت المادة الأولية تستخرج من منجم زكار، و كان يسير هذا المصنع بعض الأسرى الفرنسين و ظلت منطقة عين الدفلى مستقلة و لم يتم غزوها من قبل الفرنسيين إلا في 08-06-1840 حيث قاد الماريشال فالي حملة عسكرية غير أنه قوبل بمقاومة شعبية عنيفة شاركت فيها كل قبائل المنطقة تحت قيادة الخليفة محمد بن علال و ألحقت بالجيوش الفرنسية خسائر معتبرة في الأرواح و العتاد و هذا بإعتراف القائد الفرنسي كاستيلا الذي قال: " تلقى الجيش الفرنسي أشد الخسائر أكثر من أي حملة فرنسية في بلاد إفريقيا".
و في سنة 1841 قاد الجنرال " بيجو " بنفسه حملة عسكرية على منطقة مليانة، و كان الأمير بصحبة خليفته محمد بن علال قد أعد العدة لصد هذا الهجوم، حيث تمكنت قواته النظامية و الشعبية من التصدي لهذا الهجوم و إلحاق هزيمة نكراء بالجنرال " بيجو " و عساكره و قد وصف أحد قادة العدو هذه الواقعة فقال: " و هذه أول هزيمة وقعت بالماريشال " بيجو " منذ ولايته على الجزائر.